في لقاءين منفصلين مع المرحوم العالم صاحب نوبل في العلوم الدكتور أحمد زويل، وأثناء الإستعداد لتحقيق حلمه بإنشاء جامعة زويل "مدينة زويل حاليا"، سألته عن كيفية الإعداد وليس "تخريج" أجيال شابة من الباحثين وبذور العلماء، مضيفًا له أن المجموع وحده ليس هو المؤهل لقبول الطلاب في الجامعة المنتظرة؟ فبعض المجاميع العالية تأتي بالغش والتدليس.
وفي اللقاء الثاني سألته مرة أخرى عن أن المال ليس وسيلة لنيل شهادات في جامعة ترغب في بناء أجيال علمية، لأن المال كثيرًا ما يفسد العلم والتعليم.
وجاء رد الدكتور زويل واضحًا، بأن المجموع جزء من كل، لكن الأهم هو إختبارات التأهيل لقبول طلاب سيصبحون يومًا قادة في العلم وعلوم الطب والهندسة وغيرها، وتلك الإختبارات متنوعة تغطي مختلف المجالات التي نرغب في تخريج طلاب فيها، ولا مجال لقبول طالب، حاصل على 100%، بطريقة ما، وراسب في إختباراتنا.
ورد على موضوع المال، قائلا، لا ننظر للمال كوسيلة للتعليم، لأنه فعلا كثيرا ما يُفسد العلم والتعليم، ولا يمكن أن يتساوى المجتهد مع من لديه مال، ومستعد لأن أتحمل تعليم طالب مجتهد بنسبة 100%، ولا أقبل تعليم طالب لمجرد أن أهله يمتلكون مالاً، ..فلا مكان له عندي.
تذكرت كلمات الدكتور زويل، وأنا أتابع هذه الكارثة التي كشفت عنها نتائج عدد من كليات الطب البشري والأسنان، خصوصا في جامعتي أسيوط، وجنوب الوادي، ووصول نسبة الرسوب إلى نحو 80%، وما كشفت عن التحريات والمناقشات الأولوية، أن السبب هو الغش الجماعي في بعض لجان الثانوية العامة.
أعتقد أن الموضوع ليس بجديد بل من سنوات، ولكن هي المرة الأولى التي يتم كشف النقاب عن تلك الكارثة التعليمية، والتي نغمض العيون عنها، بل الأخطر أن عدد من هؤلاء "الغشاشين" إلتحقوا بجامعات خاصة، وسيصبحون أطباء ومهندسين وتجاريين وعلميين ومحامين وهم جهلاء، مع أسفي عن هذا التعبير، لأني لم أجد سواه.
والسؤال المهم والأهم، كيف نأمن على حياة الناس في أداء مهام طبيب أو مهندس، أو غير ذلك، لطالب كل مؤهلاته أنه حصل على مجموع كبير في الثانوية بالغش؟، وتحت تهديد المراقبين والملاحظين في الامتحانات، وتقديم إجابات محلولة، أو بالميكروفونات، ومن يعترض يكون مهددا في حياته، وعلى أسرته، بشهادة العديد من المراقبين في لجان امتحانات في محافظات معينة.
والأسئلة كثيرة، كيف يقبل طبيب أو مهندس أو قاض، أو محام، أو محاسب وغير ذلك، على نفسه، مقابل ما يقوم به، وهو يعرف أن يده ترتعش من ماضيه الذي بدأه بالغش والتدليس، وأصبح متساويًا مع طالب أخر متفوق ومجتهد طيلة حياته، بينما هو جاء بالباراشوت غشًا إلى ذات المقعد في هذه الكلية، أو تلك؟.
ما جاء على لسان الدكتور يوسف غرباوي، رئيس جامعة جنوب الوادي، والدكتورعلي عبدالرحمن غويل عميد كلية طب قنا جامعة جنوب الوادي، والدكتور حمدى حسين، رئيس جامعة الأقصر، وغيرهم، لا يجب أن يمر مرور الكرام، ونعتبرها زوبعة في فجان، ونغلق الباب.. لا بل هي سيرة وإنفتحت.
من المهم أن يتم التحقيق، والبحث، فيما جرى، لوضع الأمور في نصابها، ويقوم المجلس الأعلى للجامعات، ووزارتا التربية والتعليم والتعليم الفني والتعليم العالي، ولجان التعليم في مجلسي النواب والشيوخ، وغيرها من جهات الإختصاص، والبحوث العلمية والتعليمية، والتربوية، بدورهم المنوط بهم، حتى تستقيم الأمور.
ما جرى مؤشر على أن يد الدولة غائبة عن بعض الأمور، وربما تكون مرتعشة، فقد سبق إثارة قضية لجان الغش مرارًا، ولم يتحرك أحد، وظل ملفًا شبه مُحرم، لأن الغشاشين قيل أن ذويهم من أصحاب النفوذ، والعائلات، ومن ملاك المال والسلاح، والنفوذ.. إن صح ذلك فعلى الدولة السلام.
الغريب أن هذا الموضوع أثير في وقت تواجه الدولة فيه أزمة أخرى، ذات علاقة بحديث حول التدليس والوهم في تصريحات الحكومة عن حجم الطاقة الكهربائية، حتى ظهرت الحقيقة بما تم كشفه من نمو الطلب على إستهلاك الكهرباء مع حلول الصيف، فلجأت الحكومة لسياسة قديمة، وهي تخفيف الأحمال، بقطع التيار الكهربائي، وفق جدول على مختلف مناطق الدولة، ليدخل المواطنون في حالة من السخرية مما يجري وجرى قبل سنوات، .. وأخشى أن يكون هذا نوع آخر من "الغش" .. بغش الناس بتصريحات ليس لها من الأمر الواقع نصيب.
من المهم الحسم في ملفين مهمين .. ولا نغلق الأبواب، وندخل في حالة صمت كصمت القبور... وهل نحتاج إلى إختبارات تأهيل للطلاب قبل القبول في كليات معينة؟ .. وتقييم آخر لأداء وتصريحات الوزراء في الحكومة؟.
-------------------------------------
بقلم : محمود الحضري